منذ انطلاق النسخة الأولى لكأس العالم عام 1930، ظل تسجيل الأهداف هو النبض الحقيقي للبطولة، وعلامة التفوق الأبرز في مسيرة المنتخبات العالمية. فالأهداف ليست مجرد أرقام تُسجل في السجلات، بل هي لحظات خالدة تُصنع فيها المجد وتُحسم بها البطولات، وتُرسم بها ملامح التاريخ الكروي.

وعبر أكثر من تسعة عقود، تعاقبت الأجيال، وتبدلت الخطط والمدارس الكروية، لكن ظلّت بعض المنتخبات حاضرة بقوة في مشهد التهديف، وعلى رأسها البرازيل وألمانيا. فقد سجلت البرازيل، بطلة العالم خمس مرات، أكبر عدد من الأهداف في تاريخ البطولة، بفضل أساطيرها الممتدة من بيليه وزيكو إلى رونالدو ونيمار.
أما ألمانيا، بما في ذلك سجلها تحت اسم ألمانيا الغربية، فتعد المنافس الأشرس على هذا الرقم، بفضل تاريخها الطويل من المشاركات المنتظمة، ونجاحها في الوصول للمراحل المتقدمة، مع أسماء كبيرة مثل غيرد مولر، كلوزه، ومولر الصغير.
وفي هذا السياق، نفتح الباب لاستعراض قائمة المنتخبات التي أبهرت العالم بكثافة أهدافها، لتتعرف على من سطروا أسماءهم بأقدامهم في سجلات المجد التهديفي عبر تاريخ كأس العالم.
1- البرازيل
أكثر المنتخبات تهديفًا في تاريخ كأس العالم
إجمالي الأهداف: 237 هدفًا
شارك في: 22 بطولة
عدد المباريات: 114 مباراة
حقق 5 القاب
يُعد منتخب البرازيل أحد أعمدة كرة القدم العالمية، ليس فقط لأنه أكثر المنتخبات تتويجًا بلقب كأس العالم، بل لأنه أيضًا صاحب الرقم القياسي كأكثر المنتخبات تسجيلًا للأهداف في تاريخ البطولة. ارتبط اسم البرازيل بكرة القدم منذ انطلاق أولى نسخ المونديال عام 1930، ومنذ ذلك الحين لم يتخلف عن المشاركة في أي نسخة، ليكون المنتخب الوحيد الذي شارك في جميع نسخ كأس العالم حتى الآن.
وقد شكل هذا الحضور الدائم ساحةً لعرض المهارات الفريدة والأداء الهجومي الممتع الذي يميز كرة القدم البرازيلية، وهو ما انعكس بوضوح في عدد الأهداف التي أحرزها المنتخب عبر البطولات المختلفة. بلغ مجموع أهداف البرازيل في تاريخ كأس العالم أكثر من 230 هدفًا، وهو رقم لم يقترب منه أي منتخب آخر حتى اليوم. ويعود ذلك إلى فلسفة اللعب البرازيلية التي ترتكز على الهجوم والابتكار الفني، مما جعل الفريق يسجل في أغلب مبارياته أهدافًا غزيرة أبهرت الجماهير حول العالم.
على صعيد البطولات، تُوّجت البرازيل بلقب كأس العالم خمس مرات، وهو رقم قياسي لم يحققه أي منتخب آخر. فقد حملت الكأس أعلام البرازيل في أعوام 1958، 1962، 1970، 1994، و2002. وتُعد البرازيل الدولة الوحيدة التي حصدت لقب كأس العالم بنسختيه: كأس جول ريميه (التي احتفظت بها بعد فوزها بها ثلاث مرات)، والكأس الحديثة المعتمدة منذ عام 1974.
ومن النجوم البارزين الذين ساهموا في الإنجازات التهديفية البرازيلية يبرز اسم رونالدو نازاريو، الذي سجل 15 هدفًا في تاريخ مشاركاته بكأس العالم، ليحتل بذلك المرتبة الثانية في قائمة الهدافين التاريخيين للبطولة، بعد الألماني ميروسلاف كلوزه. كما أن أساطير مثل بيليه، الذي أحرز 12 هدفًا في ثلاث بطولات، وجارزينيا، زيكو، روماريو، رونالدينيو، جميعهم ساهموا في بناء مجد الكرة البرازيلية وتحقيق أرقام تهديفية مذهلة.
ولم تقتصر براعة البرازيل على التتويج فقط، بل قدّمت عروضًا كروية ساحرة ومباريات لا تُنسى، مثل فوزها الكبير على السويد 7-1 في نسخة 1950، أو انتصارها 5-2 على فرنسا في نهائي 1958، مما جعلها تحظى بإعجاب واسع عبر الأجيال.
في النهاية، يظل منتخب البرازيل مرجعًا في الأداء الهجومي الجميل، ومصدرًا للمتعة الكروية، ويحتفظ بمكانته كأكثر المنتخبات تهديفًا في تاريخ كأس العالم، وهو إنجاز يُضاف إلى سجله الحافل بالبطولات والنجوم والأساطير.
2- ألمــانيــــا
آلة الأهداف وثبات الحضور في نهائيات كأس العالم
إجمالي الأهداف: 232 هدفًا
شارك في: 20 بطولة
عدد المباريات: 109 مباراة
حقق 4 القاب
ُعد منتخب ألمانيا واحدًا من أعظم المنتخبات في تاريخ كأس العالم، سواء من حيث عدد الأهداف أو عدد مرات الوصول إلى المراحل النهائية. يحتل المنتخب الألماني المرتبة الثانية في قائمة أكثر المنتخبات تسجيلًا للأهداف في كأس العالم، حيث تجاوز مجموع أهدافه 230 هدفًا، ليقترب من الرقم القياسي البرازيلي، مع فارق ضئيل يؤكد مكانة “المانشافت” كأحد أعمدة كرة القدم العالمية.
بدأت ألمانيا مشاركتها في كأس العالم عام 1934، حيث وصلت مباشرة إلى الدور نصف النهائي، ومنذ ذلك الحين أصبحت قوة لا يُستهان بها في الساحة الدولية. وقد تأثرت مشاركات ألمانيا سياسيًا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ انقسمت البلاد إلى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. وشاركت ألمانيا الغربية ككيان مستقل في بطولات كأس العالم بدءًا من عام 1954، بينما كانت مشاركة ألمانيا الشرقية محدودة، وظهرت فقط في نسخة 1974. وبعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، تم ضم سجل ألمانيا الغربية رسميًا إلى ألمانيا الموحدة، مما جعل إنجازاتها جزءًا من تاريخ المنتخب الألماني الحالي.
يُعرف منتخب ألمانيا بثباته في الأداء وفعاليته في الأدوار الإقصائية، حيث يُعتبر من أكثر المنتخبات وصولًا إلى المباراة النهائية، إذ بلغ النهائي في ثماني مناسبات، وتُوّج باللقب أربع مرات في أعوام 1954، 1974، 1990، و2014. كما وصل إلى الدور نصف النهائي أكثر من 13 مرة، وهو رقم استثنائي يعكس عقلية الانتصار والانضباط التكتيكي التي يتميز بها الفريق.
على مستوى الأفراد، أنجبت ألمانيا نخبة من اللاعبين الهدافين الذين سطروا أسماءهم في تاريخ كأس العالم، وعلى رأسهم ميروسلاف كلوزه، الذي يُعد الهداف التاريخي لكأس العالم برصيد 16 هدفًا، متجاوزًا البرازيلي رونالدو. كما برزت أسماء مثل غيرد مولر، الذي أحرز 14 هدفًا، وتوماس مولر، الذي لا يزال نشطًا ويملك سجلًا تهديفيًا لافتًا.
يمتاز المنتخب الألماني بأسلوب لعب منظم يعتمد على الانضباط، القوة البدنية، والقدرة على استغلال الفرص، وهو ما جعله دائمًا خصمًا صعبًا ومنافسًا شرسًا في كل بطولة. ولا شك أن سجل ألمانيا التهديفي المميز وعدد مرات وصولها إلى النهائيات يجعلها من أعظم المنتخبات في تاريخ المونديال.
3- الأرجنتين
بريق التانغو وإنجازات راسخة في تاريخ كأس العالم
إجمالي الأهداف: 149 هدفًا
شارك في: 18 بطولة
عدد المباريات: 88 مباراة
حقق 3 القاب
ييُعد منتخب الأرجنتين من أعظم المنتخبات في تاريخ كأس العالم، سواء من حيث عدد الألقاب، أو الحضور القوي في الأدوار النهائية، أو الإرث الكروي الذي تركه عبر الأجيال. يحتل المنتخب الأرجنتيني مكانة بارزة في قائمة أكثر المنتخبات تسجيلًا للأهداف في البطولة، حيث تجاوز عدد أهدافه في تاريخ كأس العالم 150 هدفًا، ليكون ضمن الخمسة الأوائل من حيث التهديف.
بدأت الأرجنتين مشاركتها في كأس العالم من النسخة الأولى عام 1930، ووصلت حينها إلى المباراة النهائية، قبل أن تخسر أمام منتخب الأوروغواي في أول نهائي مونديالي. ومنذ ذلك الحين، شارك “راقصو التانغو” في معظم نسخ البطولة، وقدموا أداءً مميزًا في عدد كبير من المناسبات.
حقق المنتخب الأرجنتيني ثلاثة ألقاب لكأس العالم، جاءت في أعوام 1978 على أرضه، و1986 في المكسيك بقيادة الأسطورة دييغو مارادونا، و2022 في قطر بقيادة ليونيل ميسي، الذي أعاد الألقاب إلى المنتخب بعد غياب طويل عن التتويج بعد أن خسر اللقب عام 2014. كما وصل إلى النهائي في مناسبتين إضافيتين، عامي 1930 و2014، ليبلغ بذلك النهائي خمس مرات، وهو رقم كبير يعكس قوة المنتخب وتاريخه العريق.
وقد مرّت الأرجنتين بمراحل سياسية واقتصادية صعبة، لكنها استطاعت أن تحافظ على مكانتها الكروية عالميًا، بفضل إنتاجها المستمر للمواهب الكروية الفذة. وقد ترك مارادونا بصمة لا تُمحى في مونديال 1986 بأهدافه التاريخية حتى إنه يطلق على مونديال المكسيك اسم “مونديال مارادونا”، فيما ساهم ميسي في كتابة فصل جديد من المجد في 2022، حيث سجل وأبدع وقاد بلاده لتحقيق اللقب الثالث بعد غياب دام 36 عامًا.
عرفت الأرجنتين على مر التاريخ عددًا من أبرز الهدافين في تاريخ المونديال، مثل غابرييل باتيستوتا، الذي سجل 10 أهداف في ثلاث نسخ، وماريو كمبس هداف كاس العالم 1987 في الإرجنتين برصيد 6 أهداف، وميسي الذي أصبح الهداف التاريخي للمنتخب في البطولة. وقد تميز الفريق بأسلوب هجومي متنوع يجمع بين المهارة الفردية والصلابة التكتيكية.
بفضل هذا المزيج من الموهبة والعزيمة، تواصل الأرجنتين ترسيخ اسمها في قائمة الكبار، ليس فقط من حيث عدد الألقاب، بل أيضًا كواحدة من أكثر المنتخبات تهديفًا وإثارة في تاريخ كأس العالم
4- فرنســـا
الديوك في صدارة العالم وتاريخ تهديفي متصاعد
إجمالي الأهداف: 136 هدفًا
شارك في: 16 بطولة
عدد المباريات: 73 مباراة
حقق 2 القاب
يُعد منتخب فرنسا أحد أبرز المنتخبات التي شهدت تطورًا لافتًا في تاريخ كأس العالم، حيث تحوّل من فريق محدود النجاحات في منتصف القرن العشرين إلى قوة عالمية في العصر الحديث. وقد أصبح المنتخب الفرنسي من أكثر المنتخبات تسجيلًا للأهداف في البطولة، بعد أن تجاوز رصيده 140 هدفًا، بفضل مشاركاته القوية في النسخ الأخيرة وأسلوبه الهجومي المتطور.
ويعد منتخب فرنسا هو الأقل حضورا في نهائيات كاس العالم، إلا إنه استطاع ان يحجز مكانا مميزة وسط الخمس الكبار الأكثر تهديفا في النهائيات، فهو متقدم على إيطاليا صاحبة الأربع القاب رغم عدد المباريات الأقل، ويتخلف عن الأرجنتين صاحبة المركز الثالث ببضع أهداف، وهذا يدل على سجل تهديفي مميز وغزارة تهديفيه تميز بها لاعبي الديوك الزرق.
شاركت فرنسا في أول نسخة لكأس العالم عام 1930، لكنها لم تحقق إنجازات كبيرة حتى منتصف التسعينيات، حيث بدأت الطفرة الحقيقية. توّجت بلقبها الأول عام 1998 على أرضها بقيادة زين الدين زيدان، ثم عادت بقوة في العصر الحديث لتحصد لقبها الثاني في 2018، بقيادة جيل شاب مميز، أبرزهم كيليان مبابي، الذي أصبح في وقت قياسي من أكثر هدافي البطولة. كما بلغت فرنسا النهائي في نسختي 2006 و2022، لتصل إلى المباراة النهائية أربع مرات، وتؤكد مكانتها بين كبار اللعبة.
ويمتاز المنتخب الفرنسي بقدرته على التجديد وتكوين أجيال متعاقبة من النجوم بفضل تنوعه الثقافي وقوة أكاديميته الكروية. وبرز في تاريخه أسماء مثل بلاتيني، زيدان، هنري، ريبيري، غريزمان، ومبابي، ممن ساهموا في تعزيز قوة فرنسا تهديفيًا، ومكّنوا الفريق من تقديم عروض كروية جذابة وفعالة على حد سواء.
نجح منتخب فرنسا في التحوّل إلى أحد المنتخبات الدائمة التواجد في الأدوار النهائية، وهو ما جعله يتقدم بشكل متسارع في سجل الأهداف والإنجازات، ليصبح اليوم من المنتخبات المرشحة بقوة في كل نسخة يخوضها..
5- إيطـــاليــــا
إرث الدفاع الحديدي وأمجاد المونديال
إجمالي الأهداف: 128 هدفًا
شارك في: 18 بطولة
عدد المباريات: 83 مباراة
حقق 4 القاب
يحتل المنتخب الإيطالي ذيل قائمة الخمسة الكبار الأكثر تهديفا في مباريات كاس العالم، وذلك على الرغم من عدد مشاركاته في البطولة وعدد مبارياته والتي أكثر من المنتخب الفرنسي، ولكن من الواضح إن الآداء الدفاعي الذي اشتهر به المنتخب الإيطالي كان له الغلبة على معظم مبارياته، وهي تعتبر سياسة تناسب كثيرا المنتخب الإيطالي حيث استطاع الفوز باللقب 4 مرات طوال تاريخه.
منتخب إيطاليا يعد من أعرق المنتخبات في تاريخ كأس العالم، وقد جمع بين الأداء التكتيكي الصارم والقدرة على تحقيق الإنجازات. على الرغم من أن المدرسة الإيطالية تُعرف بأسلوبها الدفاعي التقليدي المعروف باسم “كاتيناتشو”، إلا أن الأزوري يملك سجلًا تهديفيًا مميزًا، حيث سجل أكثر من 130 هدفًا في تاريخ مشاركاته بالمونديال.
بدأت إيطاليا مشاركتها في كأس العالم عام 1934، وتوّجت مباشرة باللقب في أول مشاركة لها، ثم احتفظت به في النسخة التالية عام 1938، لتصبح أول منتخب يحقق البطولة مرتين متتاليتين. وبعد فترة من التراجع، عادت إيطاليا بقوة لتفوز باللقب في 1982 بقيادة باولو روسي، ثم مرة أخرى في 2006 بعد فوز درامي على فرنسا بركلات الترجيح. وقد وصلت إيطاليا إلى النهائي ست مرات، وهو ما يضعها ضمن أكثر المنتخبات وصولًا إلى المباراة النهائية في التاريخ.
عُرفت إيطاليا بأساطيرها الدفاعية مثل مالديني، باريزي، كانافارو، لكن في نفس الوقت أنتجت هدافين بارزين مثل روسّي، روبيرتو باجيو، وديل بييرو، الذين ساهموا في إحراز أهداف حاسمة في مشوار البطولات. كما تمتلك إيطاليا سجلًا ثريًا في مباريات قوية وعصيبة، غالبًا ما تُحسم بخبرة تكتيكية عالية وفاعلية هجومية عند الحاجة.
ورغم تعثرات إيطاليا في بعض النسخ الأخيرة، مثل الغياب عن مونديالي 2018 و2022، يبقى الأزوري منتخبًا تاريخيًا له ثقله، وأحد أكثر المنتخبات فوزًا بالألقاب وتهديفًا، مع قاعدة جماهيرية لا تزال تؤمن بعودته القوية قريبًا.
وختــامـــا ….
وفي الختام، يتّضح من خلال استعراضنا للتاريخ الكروي لمنتخبات البرازيل، ألمانيا، الأرجنتين، فرنسا، وإيطاليا، أن هذه المنتخبات الخمسة لم تكن مجرد مشاركين في نهائيات كأس العالم، بل كانت أعمدة رئيسية في تشكيل هوية البطولة، وقوى هجومية صنعت الفارق في مختلف العصور. فقد تفوقت هذه الفرق على غيرها، ليس فقط في عدد مرات التتويج أو الوصول إلى النهائيات، بل أيضًا في غزارة الأهداف، التي كانت دومًا عنوانًا لأدائها وإرثها الكروي.
كل منتخب من هذه المنتخبات ترك بصمته الخاصة: فالبرازيل قدمت المتعة والمهارة، وألمانيا جسدت الصرامة والفعالية، والأرجنتين جمعت بين العاطفة والإبداع، وفرنسا أبهرت بالتنوع والسرعة، أما إيطاليا فأكدت أن الانضباط الدفاعي لا يلغي القدرة على التهديف وتحقيق المجد.
وقد أثبت التاريخ أن البطولات الكبرى تُحسم غالبًا عبر المنتخبات التي تجمع بين القوة الهجومية والتنظيم الجماعي، وهو ما تجسده هذه المنتخبات بوضوح. ومع استمرار تطور اللعبة، يبقى سجل هذه الفرق شاهدًا حيًا على عصور من الإبداع والإنجازات، ودليلًا على أن المجد الكروي لا يتحقق إلا بتوازن الأداء وروح المنافسة.