لم تكن الخلافة الإسلامية مجرد نظام حكم، بل كانت منارة لحضارة عظيمة غيّرت مجرى التاريخ الإنساني. فمنذ اللحظة التي تأسست فيها الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد ﷺ، بدأت تتشكل ملامح حضارة فريدة، جمعت بين الإيمان والعقل، بين السيف والقلم، وبين العدل والتسامح.
في ظل الخلافة، تحولت المدن الإسلامية مثل بغداد، ودمشق، والقاهرة، وقرطبة، وسمرقند إلى مراكز للعلم والثقافة والتجارة. احتضنت هذه العواصم أعظم العقول من المسلمين وغير المسلمين، فازدهرت العلوم والآداب والفنون، وظهر علماء خلد التاريخ أسماءهم مثل:
ابن سينا في الطب والفلسفة – الخوارزمي في الرياضيات والجبر – الرازي في الطب والكيمياء – الزهراوي في الجراحة – ابن الهيثم في البصريات والفيزياء – الإدريسي في الجغرافيا
وغيرهم كثير ممن كانت اكتشافاتهم أساسًا للتقدم العلمي في أوروبا لاحقًا
امتدت أراضي الخلافة الإسلامية في أوجها لتشمل الأندلس غربًا حتى حدود الصين شرقًا، ومن آسيا الوسطى شمالًا إلى اليمن والسودان والمحيط الهندي جنوبًا، فجمعت بين شعوب وثقافات متعددة تحت راية واحدة.
وقد تميّزت هذه الدولة باتباع نهج التسامح الديني والعدالة الاجتماعية، فحُفظت حقوق غير المسلمين، وسمح لهم بممارسة عباداتهم، والمشاركة في بناء الدولة، ما ساعد على الاستقرار والازدهار.
كانت الخلافة الإسلامية مشروعًا حضاريًا عالميًا، قامت على العلم، والقيم، والتكامل بين الروح والمادة، ولا تزال إنجازاتها شاهدة على عبقرية تلك الحقبة الذهبية في تاريخ الإنسانية.
الدولة الأموية (661م – 750م)
فترة الحكم الدولة الأموية
امتدت الدولة الأموية من عام 661م حتى 750م، بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة، لتكون بذلك أول دولة وراثية في الإسلام.
أقوى حكام الدولة الأموية
- معاوية بن أبي سفيان: مؤسس الدولة، وحاكم سياسي بارع، ثبت أركان الحكم.
- عبد الملك بن مروان: نظم شؤون الدولة، وعرب الدواوين، وضرب العملة الإسلامية.
- الوليد بن عبد الملك: توسعت في عهده الفتوحات، وازدهرت العمارة الإسلامية.
- هشام بن عبد الملك: شهدت الدولة في عهده استقرارًا وازدهارًا داخليًا كبيرًا.
مقر حكم الدولة الأموية
كانت دمشق عاصمة الخلافة الأموية، واتسمت بطابعها الإداري والعسكري الفاعل، وأصبحت مركزًا سياسيًا وثقافيًا في ذلك العصر.
المناطق الخاضعة لحكم الدولة الأموية
بلغت الدولة الأموية أقصى اتساع جغرافي في تاريخ الإسلام، فشملت:
- شرقًا: حتى حدود الصين وبلاد ما وراء النهر (سمرقند وبخارى).
- غربًا: حتى المحيط الأطلسي في المغرب والأندلس (إسبانيا حاليًا).
- شمالًا: آسيا الصغرى وجنوب فرنسا.
- جنوبًا: اليمن والحجاز ومصر وشمال أفريقيا.
الدولة الأموية هي أول خلافة إسلامية وراثية، بدأت عام 661م بعد مقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب وتنازل الحسن بن علي عن الحكم، لتنتقل السلطة إلى معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة. اعتمدت الدولة الأموية في بداياتها على الكفاءة الإدارية والعسكرية، واستفادت من خبرات الأمويين في الحكم منذ عهد عثمان بن عفان، فتمكنت من بناء أقوى إمبراطورية إسلامية من حيث المساحة الجغرافية.
شهدت الدولة الأموية نهضة كبيرة في عهد عبد الملك بن مروان، حيث تم تعريب الدواوين، واعتماد العملة الإسلامية بدلًا من العملات البيزنطية والفارسية، ما عزز الهوية الإسلامية للدولة. كما بنى مسجد قبة الصخرة في القدس، كرمز ديني وسياسي.
وفي عهد ابنه الوليد بن عبد الملك، ازدهرت العمارة والبنية التحتية، فشُيّدت المساجد الكبرى، مثل الجامع الأموي في دمشق، وتمت توسعة المسجد النبوي، وشهدت الدولة واحدة من أكبر حركات الفتح الإسلامي، حيث دخل الإسلام إلى الأندلس على يد طارق بن زياد، ووصل إلى حدود فرنسا، كما توسع شرقًا إلى بلاد الهند وبلاد ما وراء النهر.
اتسمت الدولة الأموية بقوة مركزية كبيرة، لكنها واجهت تحديات دينية وعرقية بسبب تفضيل العرب في المناصب، مما أثار استياء الموالي (غير العرب المسلمين)، إلى جانب الثورات الشيعية والخوارج.
انتهت الدولة الأموية عام 750م بعد ثورة العباسيين في معركة الزاب، ولكن فرّ أحد أفراد الأسرة الأموية، عبد الرحمن الداخل، إلى الأندلس، وأسس هناك الدولة الأموية في الغرب، لتستمر الحضارة الأموية بثوب جديد.
الدولة العباسية (750م – 1258م)
واستمرت في مصر (الخلافة الصورية) حتى 1517م
فترة حكم الدولة العباسية
بدأت الدولة العباسية عام 750م بعد إسقاط الدولة الأموية، واستمر حكمها في بغداد حتى 1258م بسقوطها على يد المغول. ثم استمرت الخلافة العباسية بشكل رمزي في القاهرة تحت حماية المماليك حتى 1517م.
أهم حكام الدولة العباسية
- أبو العباس السفاح: أول خلفاء بني العباس، وثبّت أركان الحكم.
- أبو جعفر المنصور: المؤسس الحقيقي للدولة، بنى بغداد واتخذها عاصمة.
- هارون الرشيد: بلغ العصر الذهبي للدولة، ازدهار علمي وثقافي غير مسبوق.
- المأمون: راعي العلوم والفلسفة والترجمة، أسس بيت الحكمة في بغداد.
مقر حكم الدولة العباسية
- في بدايتها: الهاشمية قرب الكوفة
- ثم انتقلت إلى بغداد التي أصبحت مركزًا عالميًا للعلم والحضارة.
- بعد اجتياح المغول: انتقلت الخلافة بشكل رمزي إلى القاهرة.
مناطق خضعت للدولة العباسية
شبه الجزيرة العربية – العراق والشام – بلاد فارس وخراسان – شمال إفريقيا (جزئيًا) – مصر والسودان – أجزاء من الأناضول وآسيا الوسطى
الدولة العباسية واحدة من أعظم الحضارات الإسلامية، حيث امتد حكمها من عام 750م وحتى 1258م. نشأت بعد الثورة العباسية التي أنهت حكم الدولة الأموية، وقادها أبو العباس السفاح، وكان شعارها الدعوة لآل البيت.
تأسست مدينة بغداد على يد الخليفة أبو جعفر المنصور عام 762م، لتصبح واحدة من أعظم عواصم العالم، ومركزًا علميًا وثقافيًا متقدمًا. في عهد الخليفة هارون الرشيد، بلغ المجد العباسي ذروته، حيث ازدهرت التجارة والعلوم والآداب، وكانت قصوره تضج بالحياة الفكرية، وتربطها علاقات دبلوماسية مع بيزنطة والصين.
خلال حكم المأمون، نشطت حركة الترجمة، وأُنشئ بيت الحكمة، فتم نقل مؤلفات اليونان والفرس إلى العربية، ما مهّد لاحقًا لنشوء النهضة الأوروبية. تميز العصر العباسي أيضًا بالنهضة في الطب، الفلك، الرياضيات، والهندسة، وظهرت أسماء عظيمة مثل: الرازي، الخوارزمي، الفارابي، ابن الهيثم.
رغم هذا الازدهار، بدأت الدولة تفقد السيطرة السياسية تدريجيًا بسبب اتساع الرقعة الجغرافية، وظهور قوى محلية انفصلت عنها سياسيًا. كما أدى الاعتماد على الأتراك في الجيش إلى تآكل السلطة المركزية.
في عام 1258م، اجتاح المغول بغداد بقيادة هولاكو، فدمروا المدينة وقتلوا آخر الخلفاء العباسيين في بغداد، وهو المستعصم بالله. لكن الدولة العباسية استمرت بشكل رمزي في القاهرة تحت حماية المماليك، حتى انتهت رسميًا مع دخول العثمانيين مصر عام 1517م.
ورغم سقوطها، يبقى العصر العباسي أحد أكثر العصور إشراقًا في تاريخ الإسلام، حيث مثّل قمة التفوق العلمي والثقافي للمسلمين، وأسهم في بناء التراث الإنساني العالمي.
الدولة الأموية في الأندلس (خلافة قرطبة) – 756م إلى 1031م
فترة حكم الدولة الأموية في الأندلس
بدأ الحكم الأموي في الأندلس عام 756م حين أسس عبد الرحمن الداخل الإمارة الأموية المستقلة عن الخلافة العباسية، واستمر حتى عام 1031م بانتهاء خلافة قرطبة وتفتت الدولة إلى ممالك الطوائف.
أهم حكام الدولة الأموية في الأندلس
- عبد الرحمن الداخل (صقر قريش): أسس الدولة الأموية في الأندلس، ووحّد البلاد بعد الفوضى.
- عبد الرحمن الثالث: أعلن الخلافة رسميًا عام 929م، وبلغت الدولة أوج مجدها.
- الحكم المستنصر بالله: تابع سياسة الاستقرار والازدهار العلمي.
- المنصور بن أبي عامر: كان الحاكم الفعلي بعد الحكم الثاني، قاد الدولة إلى قمة القوة العسكرية.
مقر حكم الدولة الأموية في الأندلس
كانت قرطبة عاصمة الدولة، وازدهرت فيها الثقافة والعمارة والعلم، حتى أصبحت إحدى أعظم مدن أوروبا والعالم آنذاك.
مناطق خضعت لحكم الدولة الأموية في الأندلس
- معظم شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال حاليًا)
- بعض المناطق في شمال المغرب لفترات قصيرة
- نفوذ ديني وثقافي امتد إلى أوروبا الغربية
بعد سقوط الدولة الأموية في المشرق على يد العباسيين عام 750م، فرّ الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، وهناك أسس سنة 756م دولة أموية مستقلة عن الخلافة العباسية، واتخذ من قرطبة عاصمة له. عُرف بـعبد الرحمن الداخل، وتمكن من توحيد الأندلس تحت راية الحكم الأموي، ليبدأ عصر جديد من الحضارة الإسلامية في أوروبا.
ازدهرت الدولة الأموية في الأندلس سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وبلغت أوج قوتها في عهد عبد الرحمن الثالث، الذي أعلن الخلافة الأموية في الأندلس عام 929م ليضاهي بها الخلافة العباسية في بغداد والفاطمية في القاهرة. أصبحت قرطبة في عهده مركزًا علميًا وثقافيًا عالميًا، تضاهي بغداد والقسطنطينية، وتفوقت على العواصم الأوروبية من حيث عدد السكان والمكتبات والمستشفيات.
واصل ابنه الحكم المستنصر بالله دعم العلماء والمفكرين، فكانت قرطبة قبلة لطلاب العلم من أوروبا. وبعد وفاته، تولّى الحكم حفيده الصغير هشام الثاني، بينما تولّى السلطة الفعلية المنصور بن أبي عامر، الذي قاد الدولة إلى أوج القوة العسكرية، وقاد حملات ناجحة ضد ممالك الشمال المسيحية.
لكن بعد وفاة المنصور، دبّ الضعف والخلاف في الدولة، واندلعت الصراعات بين فصائل الحكم والجيش، مما أدى إلى انهيار الخلافة عام 1031م، وتفتت الأندلس إلى دويلات صغيرة تُعرف بـممالك الطوائف.
رغم ذلك، تبقى خلافة قرطبة علامة بارزة في التاريخ الإسلامي، ومثالًا لحضارة مزدهرة امتدت عبر الزمان والمكان، وأسهمت في نهضة أوروبا فكريًا وثقافيًا.
الدولة الفاطمية (909م – 1171م)
فترة حكم الدولة الفاطمية
أسست الدولة الفاطمية عام 909م في شمال إفريقيا، واستمرت حتى عام 1171م حين أنهى صلاح الدين الأيوبي حكمها وأعاد الخلافة العباسية إلى مصر.
أهم حكام الدولة الفاطمية
- المهدي بالله: مؤسس الدولة، بدأ الدعوة من المهدية في تونس.
- المعز لدين الله الفاطمي: نقل الخلافة إلى مصر وأسس مدينة القاهرة.
- الحاكم بأمر الله: شخصية مثيرة للجدل، اتسع نفوذ الدولة في عهده.
- المستنصر بالله: امتد حكمه لأكثر من 60 عامًا، وبلغت الدولة أوج قوتها، ثم بدأت بالضعف في أواخر عهده.
مقر حكم الدولة الفاطمية
- في البداية: المهدية (تونس حاليًا).
- ثم انتقل المقر إلى القاهرة بعد فتح مصر عام 969م، والتي أصبحت عاصمة الفاطميين ومركزًا علميًا وسياسيًا مهمًا.
مناطق خضعت للدولة الفاطمية
- شمال إفريقيا (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب).
- مصر
- بلاد الشام
- أجزاء من الحجاز والحرمين الشريفين (لفترة من الزمن)
- نفوذ ديني ممتد إلى أماكن متعددة عبر الدعوة الإسماعيلية.
تُعد الدولة الفاطمية واحدة من أبرز الخلافات الإسلامية التي قامت على أساس المذهب الشيعي الإسماعيلي، وادّعت النسب إلى فاطمة الزهراء بنت النبي محمد ﷺ، ومن هنا جاءت تسميتها. بدأت الدولة عام 909م بقيادة عبيد الله المهدي، الذي أسس حكمه في المهدية بتونس بعد أن أطاح بحكم الأغالبة.
اعتمد الفاطميون على الدعوة السرية الإسماعيلية، وتمكنوا من التوسع في شمال إفريقيا بسرعة. وفي عام 969م، نجح القائد جوهر الصقلي في فتح مصر بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الذي انتقل لاحقًا إليها وجعل القاهرة عاصمة للدولة. أسس الجامع الأزهر ليكون مركزًا لنشر المذهب الفاطمي وتعليم العلوم.
في عهد الحاكم بأمر الله، وصلت الدولة إلى قمة اتساعها، لكنه اشتهر بقراراته الغريبة والمتقلبة، مما أثار الجدل حوله. أما في عهد المستنصر بالله، فبلغت الدولة أوج قوتها، ثم بدأت تتراجع بسبب الصراعات الداخلية والمجاعات، خاصة الشقاق بين الجيش المغربي والتركي.
شهدت الدولة الفاطمية ازدهارًا علميًا وثقافيًا، واهتم خلفاؤها بالعمارة والعلوم، فبرزت في عهدهم المدارس، والمكتبات، والمستشفيات. لكن التدهور السياسي والعسكري أدى إلى ضعفها، حتى سقطت نهائيًا عام 1171م حين قضى عليها صلاح الدين الأيوبي، وأعاد الخلافة العباسية اسمًا إلى مصر، وبذلك انتهى الحكم الشيعي في مصر.
ورغم ذلك، يبقى للفاطميين أثر حضاري بارز في العمارة والفكر والثقافة، خصوصًا في مصر والمغرب العربي.
الدولة السلجوقية (السلاجقة العظام) – 1037م إلى 1194م
فترة حكم الدولة السلجوقية
تأسست الدولة السلجوقية عام 1037م على يد طغرل بك، وامتدت حتى عام 1194م بسقوط آخر سلاطينها في بلاد فارس.
أقوى حكام الدولة السلجوقية
- طغرل بك: المؤسس، بسط نفوذه على إيران والعراق، واعترف به الخليفة العباسي.
- ألب أرسلان: انتصر في معركة ملاذكرد عام 1071م، وفتح أبواب الأناضول أمام المسلمين.
- ملك شاه: في عهده بلغت الدولة أوج قوتها، وبرز فيها الوزير الشهير نظام الملك.
مقر حكم الدولة السلجوقية
أولاً: نيسابور، ثم الري، وأصفهان كانت من أبرز عواصمهم.
مناطق خضعت لحكم الدولة السلجوقية
- إيران وأفغانستان
- العراق
- بلاد ما وراء النهر (آسيا الوسطى)
- الأناضول (تركيا اليوم)
- أجزاء من الشام والحجاز
الدولة السلجوقية كانت من أعظم الكيانات السياسية التي ظهرت في العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). تعود أصول السلاجقة إلى قبائل تركمانية من آسيا الوسطى، دخلت في الإسلام، وسرعان ما أسست قوة عسكرية كبرى بقيادة طغرل بك، الذي أعلن نفسه سلطانًا على العالم الإسلامي عام 1037م بعد أن دخل بغداد، ونال اعتراف الخليفة العباسي، مما منح الدولة شرعية دينية وسياسية.
استمر التوسع في عهد ابن عمه ألب أرسلان، الذي حقق نصرًا تاريخيًا على البيزنطيين في معركة ملاذكرد عام 1071م، والتي مهدت لاستقرار المسلمين في الأناضول. بعده جاء السلطان ملك شاه، الذي بلغت الدولة في عهده أوج قوتها ونفوذها، وشهدت الإدارة تطورًا كبيرًا بفضل الوزير الشهير نظام الملك، الذي أسس المدارس النظامية، وكان له دور بارز في تنظيم الدولة ونشر العلم.
كانت الدولة السلجوقية راعية للعلوم والفنون، وبرز في عهدها فقهاء ومفكرون مثل الغزالي، وازدهرت فيها العمارة الإسلامية. كما لعب السلاجقة دورًا مهمًا في حماية الخلافة العباسية من الأخطار الباطنية والصليبية.
لكن بعد وفاة ملك شاه، ضعفت الدولة بسبب الصراعات بين أولاده والولاة، وتفككت إلى كيانات سلجوقية متعددة مثل سلاجقة الروم في الأناضول، وسلاجقة كرمان في جنوب فارس. سقطت الدولة الأم أخيرًا عام 1194م بعد هزيمة السلطان طغرل الثالث أمام الخوارزميين.
ورغم أفولها، فإن أثر الدولة السلجوقية ظل ممتدًا في التاريخ الإسلامي، ومهد لظهور قوى كبرى لاحقًا كـالدولة العثمانية.
الدولة الأيوبية (1171م – 1250م)
فترة حكم الدولة الأيوبية
قامت الدولة الأيوبية عام 1171م على يد صلاح الدين الأيوبي بعد إنهاء الخلافة الفاطمية في مصر، واستمرت حتى 1250م حين انتقل الحكم إلى المماليك.
أهم حكام الدولة الأيوبية
- صلاح الدين الأيوبي: المؤسس، وحد مصر والشام والحجاز، وهزم الصليبيين في معركة حطين.
- العادل أبو بكر: أخو صلاح الدين، أعاد تنظيم الدولة بعد وفاته.
- الكامل محمد: واجه الحملات الصليبية وأدار الصراعات السياسية بمرونة.
مقر حكم الدولة الأيوبية
- القاهرة كانت العاصمة المركزية.
- كما أن دمشق كانت عاصمة فرعية ومركزًا هامًا للحكم في بلاد الشام.
مناطق خضعت لحكم الدولة الأيوبية
- مصر
- بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن)
- أجزاء من الحجاز واليمن
- شمال العراق
- بعض المناطق الساحلية في الأناضول لفترات محدودة
الدولة الأيوبية من أبرز الدول الإسلامية في العصور الوسطى، وقد أسسها صلاح الدين الأيوبي بعد أن أنهى الحكم الفاطمي الشيعي في مصر عام 1171م، وأعاد مصر إلى الخلافة العباسية السنية. كان صلاح الدين قائدًا فذًا وسياسيًا حكيمًا، نجح في توحيد مصر والشام والحجاز واليمن تحت راية واحدة، وكرّس جهوده لمحاربة الصليبيين. أبرز إنجازاته كانت معركة حطين عام 1187م التي انتصر فيها على الصليبيين وحرر القدس، مما جعله رمزًا للبطولة الإسلامية في التاريخ.
بعد وفاة صلاح الدين عام 1193م، تقسمت الدولة بين أولاده وأقربائه، لكنها بقيت موحدة اسميًا في عهد أخيه العادل، الذي أعاد تنظيم الحكم، ثم تولى ابنه الكامل، الذي واجه الحملات الصليبية بخبرة دبلوماسية، وعقد معاهدات سلام متوازنة.
شهدت الدولة الأيوبية نهضة علمية وثقافية، وازدهرت فيها العمارة الإسلامية، حيث بنيت العديد من المدارس (المدرسة الصلاحية، والمدارس الكاملية)، كما اهتمت بالأوقاف والعلماء.
ورغم قوتها، بدأت الدولة تضعف بسبب النزاعات بين أفراد الأسرة الأيوبية، مما أتاح للمماليك الصعود التدريجي في المناصب العسكرية. وبعد وفاة آخر حكام الأيوبيين في مصر، الملك الصالح أيوب، تولى المماليك السلطة فعليًا، وأسسوا دولتهم عام 1250م.
تبقى الدولة الأيوبية مثالًا على الوحدة السياسية والعسكرية في مواجهة الحملات الصليبية، كما كانت همزة وصل بين الخلافة العباسية ودولة المماليك.
دولة المماليك (1250م – 1517م)
فترة حكم المماليك
حكم المماليك مصر وبلاد الشام من 1250م حتى 1517م، وتُقسم دولتهم إلى فترتين:
- المماليك البحرية (1250 – 1382م)
- المماليك البرجية أو الشركسية (1382 – 1517م)
أهم حكام المماليك
- الظاهر بيبرس: قائد عسكري بارع، هزم المغول والصليبيين، وأعاد للخلافة العباسية مكانتها الرمزية في القاهرة.
- المنصور قلاوون وولده الناصر محمد: رسّخوا الحكم المملوكي، ووسعوا النفوذ.
- برسباي وقانصوه الغوري: من أبرز حكام المماليك البرجية.
مقر حكم المماليك
القاهرة، والتي أصبحت عاصمة إسلامية مركزية، ومقصدًا للعلماء والتجار والدبلوماسيين.
مناطق خضعت لحكم المماليك
- مصر
- بلاد الشام
- الحجاز (مكة والمدينة)
- أجزاء من ليبيا واليمن وبلاد النوبة
قامت دولة المماليك على يد نخبة من الجنود العبيد الذين جلبهم الأيوبيون صغارًا وربّوهم على الطاعة والفروسية. وبعد وفاة السلطان الصالح أيوب، تمكن هؤلاء القادة من تولي الحكم، وأسسوا سلطنة قوية حافظت على هوية العالم الإسلامي في وجه الأخطار.
أبرز تحديات المماليك كانت الغزو المغولي والحملات الصليبية، وقد تصدّوا لها ببسالة، فحقق السلطان قطز نصرًا مدويًا في معركة عين جالوت عام 1260م، وواصل الظاهر بيبرس الجهاد ضد المغول، كما طرد الصليبيين من عدة مناطق شامية.
أصبحت القاهرة في عهدهم مركزًا للحضارة الإسلامية، واحتضنت الخلافة العباسية الرمزية بعد سقوط بغداد. كما أنشئت العديد من المدارس والمساجد والمراكز العلمية، منها جامع السلطان حسن ومدرسة الناصر محمد.
اقتصاديًا، استفادت الدولة من موقعها بين الشرق والغرب، وتحكمت في طرق التجارة. وازدهرت الصناعات والفنون، وظهرت طرز معمارية مميزة.
لكن مع حلول القرن الخامس عشر، بدأت الدولة تضعف نتيجة الفساد الإداري، وكثرة الانقلابات داخل السلطة العسكرية، وضعف الاقتصاد بسبب تحول طرق التجارة إلى البحر بعد الاكتشافات الجغرافية الأوروبية.
انتهت دولة المماليك عام 1517م بعد معركة الريدانية، حين انتصر العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول، وضمّوا مصر والشام إلى دولتهم.
ورغم سقوطها، تبقى دولة المماليك نموذجًا فريدًا في التاريخ، حيث حكم فيها عبيد سابقون أعظم بلاد الإسلام، وتركوا إرثًا عمرانيًا وثقافيًا غنيًا.
الدولة العثمانية (1299م – 1924م)
فترة حكم الدولة العثمانية
تأسست الدولة العثمانية عام 1299م على يد عثمان بن أرطغرل، واستمرت حتى 1924م حين أُلغيت الخلافة رسميًا على يد مصطفى كمال أتاتورك.
أهم حكام الدولة العثمانية
- عثمان الأول: المؤسس.
- أورخان غازي: بسط النفوذ على الأناضول وبورصة.
- محمد الفاتح: فتح القسطنطينية عام 1453م.
- سليمان القانوني: وصلت الدولة لأوج اتساعها وقوتها في عهده.
مقر حكم العثمانيين
- الأناضول
- البلقان (اليونان، بلغاريا، البوسنة…)
- بلاد الشام ومصر والحجاز
- شمال أفريقيا (ليبيا، الجزائر، تونس)
- العراق وأجزاء من الجزيرة العربية
- أجزاء من أوروبا الشرقية حتى حدود النمسا
تُعد الدولة العثمانية من أطول الدول الإسلامية عمرًا وأكثرها تأثيرًا في التاريخ. نشأت على يد عثمان بن أرطغرل في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي كإمارة صغيرة في شمال غرب الأناضول، وسرعان ما تحولت إلى إمبراطورية عظيمة. واصل أبناؤه التوسع، حتى جاء السلطان محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية عام 1453م، منهياً الدولة البيزنطية، وجاعلاً منها عاصمة جديدة باسم “إسلامبول” (إسطنبول).
بلغت الدولة أوج قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني (1520–1566م)، الذي توسعت سلطته من المجر شمالاً إلى اليمن جنوبًا، ومن الجزائر غربًا إلى إيران شرقًا. اشتهر بتنظيم القوانين والإدارة، وأبدع في الجمع بين الحكم الديني والعسكري والمدني.
تميزت الدولة العثمانية بنظام إداري قوي، وبتسامحها الديني مع الأقليات، مما سمح بتعايش نسبي بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وكانت مركزًا للعلم والفن والعمارة، وترك العثمانيون إرثًا معماريًا ضخمًا، مثل جامع السلطان أحمد وقصر طوب قابي.
لكن مع القرن السابع عشر، بدأت الدولة تدخل في مرحلة من التراجع، بسبب الفساد الإداري والجمود العسكري، وظهور قوى أوروبية صاعدة، ومع ذلك ظلت صامدة حتى الحرب العالمية الأولى.
بعد هزيمتها في الحرب، تم تفكيك معظم أراضيها، وفي عام 1924م، أُلغيت الخلافة الإسلامية رسميًا، وانتهت بذلك آخر دولة خلافة في التاريخ الإسلامي.
ورغم سقوطها، فإن الدولة العثمانية تركت إرثًا هائلًا في السياسة والثقافة والعمارة، وكانت واحدة من أهم القوى الإسلامية التي صمدت قرونًا في وجه الغرب والشرق.
خاتمـــة
لقد شكّلت الخلافة الإسلامية عبر قرونها الطويلة تجربة حضارية وإنسانية فريدة من نوعها، جمعت بين القيادة السياسية، والنهضة العلمية، والرؤية الأخلاقية الشاملة. فليست فقط إمبراطوريات توسعت بالسيف، بل كانت عقولًا فتحت آفاق الفكر، وأياديً عمّرت الأرض، وقلوبًا احتضنت الآخر.
من الأموية في دمشق، إلى العباسية في بغداد، ومرورًا بقرطبة، والقاهرة، وإسطنبول، وُلدت مدارس، ونُسجت أفكار، وأُسست مراكز علمية لا تزال أصداؤها تتردد في حضارات اليوم. وكان العلماء المسلمون روّادًا في وضع اللبنات الأولى لكثير من العلوم، وأصبحوا جسورًا نقلت المعرفة إلى أوروبا والعالم.
وعلى الرغم من التحديات والانقسامات التي مرّت بها الأمة الإسلامية، فإن روح الحضارة التي بثّتها الخلافة لا تزال حاضرة، تستنهض في الأجيال القادمة طموح العودة إلى مجد لا يقوم على القوة فقط، بل على العدل، والعلم، والتسامح.
إن فهم هذه التجربة التاريخية ليس مجرد استحضار للماضي، بل هو دعوة لإعادة إحياء القيم والمبادئ التي جعلت من الأمة الإسلامية يومًا ما منارة للبشرية، ومصدرًا للإبداع والازدهار، ورسالةً عالمية للخير والسلام.