تلعب الصادرات دورًا محوريًا في دعم اقتصاديات دول الشرق الأوسط، حيث تشكّل مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية وموردًا مهمًا لتمويل الميزانيات العامة. ومن خلال نظرة على قائمة أهم 10 دول في المنطقة من حيث صادراتها الرئيسية، يظهر بشكل واضح أن النفط ومشتقاته يسيطران على المشهد التصديري بشكل يكاد يكون مطلقًا.
في هذا التقرير، نستعرض ما تصدره هذه الدول، وما تمثله هذه الصادرات من إجمالي صادرات الدولة، لنرصد حجم الاعتماد على المنتجات البترولية، ونقارن بين الدول التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وتلك التي ما زالت تعتمد بشكل شبه كلي على مصدر وحيد. فهل يشير هذا التنوع أو الانحصار إلى مسارات اقتصادية مختلفة؟ وما المخاطر والفرص المترتبة على هذا النمط من التصدير؟
سيطرة البترول على المشهد التصديري
من بين الدول العشر التي شملها التقرير، نجد أن ست دول تعتمد على البترول الخام كأهم سلعة تصديرية، وهي: السعودية، الإمارات، العراق، الكويت، عمان، والإمارات. كما تظهر مشتقات البترول مثل النفط المكرر في صادرات مصر والبحرين، بينما تعتمد قطر على تصدير الغاز الطبيعي.
هذا التركيز الشديد على منتجات الطاقة يعكس مدى ارتباط اقتصادات هذه الدول بأسواق النفط العالمية، ويجعلها عرضة لتقلبات أسعار الخام بشكل مباشر. على سبيل المثال:
- تمثل صادرات البترول الخام أكثر من 88% من إجمالي صادرات العراق.
- في الكويت، البترول الخام يساهم بأكثر من 68% من إجمالي الصادرات.
- في السعودية، البترول الخام يشكّل ما يقارب 54% من إجمالي صادراتها.
حتى الدول التي تُعرف بمحاولاتها التنويع، مثل الإمارات، لا تزال صادرات النفط تمثّل جزءًا مهمًا من إجمالي صادراتها (حوالي 20%).
هذا الاعتماد المكثف على سلعة واحدة يُبرز تحديًا استراتيجيًا، خاصة في ظل التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والضغوط البيئية المتزايدة.

مقارنة بين الصادرات الرئيسية وإجمالي الصادرات
تحليل العلاقة بين قيمة التصدير للمنتج الرئيسي وإجمالي صادرات الدولة يكشف الكثير عن درجة التنوع أو الاعتماد الأحادي في الاقتصاد التصديري لكل دولة.
- السعودية مثلًا تُصدر بترولًا خامًا بقيمة 138 مليار دولار، وهو ما يمثل أكثر من 54% من إجمالي صادراتها البالغة 256 مليار دولار.
- أما العراق فتبدو أكثر اعتمادًا على هذا المنتج، حيث يمثل البترول الخام نحو 88.7% من إجمالي صادراتها (72 من أصل 81.1 مليار دولار).
- الكويت أيضًا تسجل نسبة مرتفعة، بواقع 68.8% لصادرات البترول من إجمالي صادراتها.
في المقابل، نرى بعض الدول التي يظهر فيها فارق ملحوظ بين قيمة التصدير للسلعة الرئيسية والإجمالي، مثل:
- الإمارات، التي تبلغ صادراتها من البترول الخام 58.5 مليار دولار من إجمالي 296 مليار فقط، أي أقل من 20%.
- مصر كذلك، تصدر نفطًا مكررًا بقيمة 4.8 مليار دولار، مقارنة بإجمالي صادراتها البالغ 44.5 مليار، مما يشير إلى وجود منتجات تصديرية أخرى مؤثرة.
هذه الأرقام توضح بجلاء أن بعض الدول ما زالت اقتصاداتها التصديرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمصدر واحد، بينما بدأت دول أخرى تتخذ خطوات ملموسة نحو تنويع صادراتها ومصادر دخلها.
دول تعتمد على منتج واحد بشكل شبه كامل
رغم الدعوات المستمرة للتنويع الاقتصادي، إلا أن بعض دول الشرق الأوسط لا تزال تعتمد بشكل شبه كامل على منتج واحد، غالبًا ما يكون البترول الخام، لتكوين معظم دخلها التصديري.
أبرز الأمثلة:
- العراق: يصدر بترولًا خامًا بقيمة 72 مليار دولار، وهو ما يمثل نحو 89% من إجمالي صادراته. هذه النسبة العالية تجعل الاقتصاد العراقي حساسًا لأي تغير في أسعار النفط أو الطلب العالمي عليه.
- الكويت: البترول الخام يشكل 40.1 مليار دولار من أصل 58.2 مليار في إجمالي صادراتها، بنسبة تقارب 69%. ورغم ثروتها، لا تزال الكويت في بداية الطريق نحو تنويع اقتصادي حقيقي.
- سلطنة عمان: تصدر بترولًا خامًا بقيمة 24.2 مليار دولار من إجمالي 56.9 مليار، أي ما يعادل 42.5% من صادراتها، معتمدًة عليه كمصدر دخل رئيسي.
هذا الاعتماد الأحادي على منتج واحد يحمل معه مخاطر كبيرة، أهمها:
- تأثر العوائد القومية بتقلبات السوق العالمي.
- صعوبة التخطيط بعيد المدى بسبب عدم استقرار الأسعار.
- التأخر في تنمية قطاعات أخرى مثل الزراعة، الصناعة، والخدمات.
ورغم الوعي المتزايد بهذه التحديات، لا يزال تنفيذ خطط التنويع يواجه عقبات سياسية واقتصادية، تتفاوت من دولة لأخرى.
الإمارات ومصر: نموذج التنويع النسبي
بينما تتجه معظم دول الشرق الأوسط نحو اعتماد تصديري واضح على الطاقة، تبرز الإمارات ومصر كنموذجين نسبيًا أكثر تنوعًا، وهو ما يعكس خطوات استراتيجية اتُخذت لتقليل الاعتماد على مصدر واحد.
الإمارات العربية المتحدة
- رغم أن البترول الخام يمثل أكبر سلعة تصديرية بقيمة 58.5 مليار دولار، إلا أن هذه القيمة لا تشكل سوى قرابة 20% من إجمالي صادرات الدولة البالغ 296 مليار دولار.
- هذا الفارق الكبير يشير إلى وجود صادرات ضخمة من قطاعات أخرى مثل الذهب، الألمنيوم، الآلات، والخدمات المالية.
- ويعكس أيضًا نجاح الإمارات في الاستثمار في البنية التحتية، النقل الجوي، والسياحة، لتكوين اقتصاد متعدد الروافد.
مصـــر
- تصدر منتجات بترولية مكررة بقيمة 4.8 مليار دولار، وهي أكبر سلعة مفردة في صادراتها.
- لكن بالنظر إلى إجمالي صادراتها البالغ 44.5 مليار دولار، نلاحظ أن النفط لا يشكل سوى نحو 10.7%، ما يدل على وجود صادرات أخرى مهمة.
- وتتنوع صادرات مصر بين الأسمدة، المنتجات الزراعية، الغزل والنسيج، والمواد الكيماوية، وهي قطاعات تكتسب أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة.
هذا التنوع لا يعني غياب التحديات، لكنه يقدّم نموذجًا أوليًا يمكن البناء عليه، ويوضح أهمية تبني سياسات اقتصادية تُشجع الإنتاج المحلي، وتعزز القطاعات غير النفطية لتحقيق نمو مستدام.
صادرات غير نفطية بارزة
في مشهد اقتصادي تطغى عليه صادرات الطاقة، تبرز بعض الدول العربية كمحاولات استثنائية تُعطي الأولوية لمنتجات غير نفطية. وعلى الرغم من صغر حجم صادراتها مقارنةً بجيرانها، إلا أن هذه الدول تمثل نماذج تستحق التوقف عندها.
الأردن
تُعد الأسمدة البوتاسية أهم سلعة تصديرية، بقيمة 1.2 مليار دولار.
تشكل هذه القيمة حوالي 10% من إجمالي صادرات الأردن التي تبلغ 12 مليار دولار.
تُعد هذه النسبة جيدة بالنظر إلى تنوع الصناعات الأردنية نسبيًا، مثل الصناعات الدوائية، والمنسوجات، والخدمات التعليمية.
لبنان
- يُصدر الذهب بقيمة 0.4 مليار دولار من إجمالي صادرات تصل إلى 4.8 مليار دولار.
- لبنان ليس من دول الطاقة، وتعتمد صادراته على المنتجات الزراعية، المجوهرات، الأغذية المصنعة، وبعض الصناعات الصغيرة.
- رغم الصعوبات الاقتصادية والسياسية، فإن وجود صادرات غير تقليدية يعكس إمكانات كامنة.
هذه النماذج تُظهر أن الاعتماد على موارد طبيعية أو صناعية بديلة يمكن أن يكون خيارًا ناجحًا حتى في ظل قلة الموارد النفطية، شريطة توفير الاستقرار والإدارة الفعالة.
الترتيب لا يعكس دائمًا حجم الاقتصاد
قد يتبادر إلى الذهن أن الدولة ذات الصادرات الأعلى لمنتج رئيسي ستكون دائمًا الأعلى في إجمالي التصدير، لكن البيانات تثبت العكس.
🇸🇦 السعودية vs 🇦🇪 الإمارات:
- السعودية تصدر بترولًا خامًا بقيمة 138 مليار دولار، وهي أعلى قيمة لصادرات منتج واحد في المنطقة.
- ومع ذلك، تأتي الإمارات في المرتبة الأولى من حيث إجمالي الصادرات بـ 296 مليار دولار، مقارنة بـ 256 مليار للسعودية، رغم أن صادراتها من البترول أقل بكثير (58.5 مليار).
ما السبب؟
- السبب يعود إلى تنوع صادرات الإمارات التي تشمل الذهب، الألمنيوم، الإلكترونيات، والخدمات اللوجستية.
- في المقابل، السعودية لا تزال تعتمد بشكل أكبر على البترول، رغم وجود جهود في رؤية 2030 للتنويع.
الدلالة:
- هذه المفارقة تؤكد أن ارتفاع قيمة منتج واحد لا يكفي لقيادة اقتصاد قوي ومتنوع.
- وتوضح أن التوسع في القطاعات غير النفطية يمنح الدول مرونة أكبر وقدرة أعلى على النمو طويل الأجل، بعيدًا عن تقلبات سوق الطاقة.
الخاتمة: بين الفرص والتحديات
يكشف تحليل صادرات أكبر 10 دول في الشرق الأوسط عن حقيقة واضحة: النفط لا يزال الملك، لكنه ملك بدأ عرشه يهتز في ظل تحولات عالمية متسارعة نحو الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
ورغم أن بعض الدول، مثل الإمارات ومصر، بدأت تتجه نحو تنويع صادراتها، لا تزال دول أخرى رهينة منتج واحد، مما يُعرضها لمخاطر اقتصادية كبيرة في حال انخفاض الطلب أو تراجع الأسعار العالمية.
المستقبل يتطلب من دول المنطقة:
- إعادة هيكلة اقتصاداتها لتصبح أقل اعتمادًا على البترول.
- الاستثمار في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.
- دعم التعليم، الابتكار، والصناعات الوطنية كأدوات لبناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة.
إن هذا التحدي يحمل في طياته فرصة حقيقية لإعادة رسم ملامح الاقتصاد الشرق أوسطي، وتحقيق نمو لا يتأثر كثيرًا بنفط يصعد ويهبط في أسواق مضطربة.