ما الذي بحث عنه العالم في 2024؟
من الانتخابات إلى الأغاني.. هذه أبرز ما أثار فضول البشر خلال العام
حين نريد أن نعرف ما شغل الناس في عام معين، لا نحتاج لاستطلاعات رأي أو تحليلات مطولة، يكفي أن نفتح بوابة العالم الرقمية: محرك بحث جوجل.
ففي كل عام، تصدر جوجل قائمتها السنوية لما سمّته “أكبر القفزات في حجم البحث”، أي تلك المواضيع التي فجرت اهتمامًا غير معتاد لدى المستخدمين حول العالم، مقارنةً بالعام السابق. وتشمل القائمة فئات متنوعة مثل الأخبار، الشخصيات، الموسيقى، الأفلام، الوفيات، والأغاني التي حاول الناس تذكّرها باستخدام خاصية “همهمة للبحث”.
ومع أن التنوع في الفئات يعكس اختلاف اهتمامات البشر، إلا أن الرابط المشترك بينها كان واضحًا: الفضول، القلق، والبحث عن إجابات في عالم سريع التغير.
في هذا المقال، نسلط الضوء على العنصر الأول في كل فئة، ونحلل سبب صعوده، مع لمحة سريعة عن العنصرين التاليين في الترتيب.
الأخبار: الانتخابات الأمريكية تتصدر المشهد العالمي
في فئة الأخبار، لم يكن مفاجئًا أن تتصدر الانتخابات الأمريكية لعام 2024 قائمة أكثر المواضيع بحثًا عالميًا، فقد كانت واحدة من أكثر السباقات السياسية توترًا وجدلاً في التاريخ المعاصر.
فمنذ اللحظة التي أُعلن فيها أن دونالد ترامب سيخوض الانتخابات مجددًا، عاد اسم الرجل الذي هيمن على المشهد السياسي والإعلامي إلى مركز الأحداث، وبدأت وتيرة التغطيات والتحليلات تتصاعد. وما زاد من الزخم هو التنافس المحموم مع إدارة بايدن، والانقسام السياسي الحاد داخل المجتمع الأمريكي، الذي بدا وكأنه في مفترق طرق حاسم بين اتجاهين متعاكسين.
ورغم أن الانتخابات شأن أمريكي داخلي، فإن تأثيرها العالمي لا يمكن تجاهله، فقد راقبت العواصم العالمية – من بروكسل إلى بكين – نتائج التصويت لما لها من تداعيات على ملفات حساسة مثل التجارة، الأمن الدولي، التغير المناخي، والسياسة الخارجية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، شهدت محركات البحث طفرات في الاستفسارات حول نتائج الولايات، مواقف المرشحين، المناظرات المتلفزة، وحتى احتمال تكرار سيناريوهات تشكيك في النتائج أو احتجاجات شعبية.
اهتمام عالمي له أسبابه:
- الولايات المتحدة لا تزال القوة الأكبر سياسيًا واقتصاديًا، ما يجعل خيارات ناخبيها تؤثر على كل بلد تقريبًا.
- الانقسام الأمريكي الداخلي أثار اهتمام المحللين والمتابعين، الذين أرادوا فهم طبيعة التحولات الاجتماعية والثقافية هناك.
- عودة ترامب ومواقفه المثيرة جعلته مادة بحثية خصبة للفضوليين والمهتمين على حد سواء.
وماذا عن باقي القائمة؟
- في المركز الثاني: Excessive heat (الحرارة المفرطة)
مع تصاعد موجات الحر وتسجيل درجات حرارة قياسية في أوروبا، والهند، والولايات المتحدة، زادت المخاوف من تسارع التغير المناخي، وتحول ذلك إلى واحد من أكثر المواضيع بحثًا، خاصة مع حرائق الغابات وانقطاعات الكهرباء. - في المركز الثالث: Olympics (الأولمبياد)
رغم أن الألعاب الأولمبية تُقام في 2024 في باريس، فإن عمليات البحث تضاعفت مبكرًا مع بدء العد التنازلي، وتسليط الضوء على الاستعدادات، والنجوم المتوقع مشاركتهم، ومدى جاهزية فرنسا لاستضافة الحدث.
الأشخاص: عودة ترامب تشعل محركات البحث
في فئة “الأشخاص”، تصدَّر اسم دونالد ترامب عمليات البحث العالمية في عام 2024، وهو ما لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى عودته القوية إلى المشهد السياسي مع بدء حملته الرئاسية، وسعيه للعودة إلى البيت الأبيض بعد غياب دام أربع سنوات.
مع إعلان ترشحه، عاد ترامب ليهيمن على العناوين الرئيسية مجددًا، ولكن هذه المرة في مناخ سياسي أكثر انقسامًا واحتقانًا. تصريحات نارية، تجمعات حاشدة، محاكمات متداولة، وتصريحات مثيرة للجدل جعلته من أكثر الشخصيات تداولًا على الإنترنت، سواء من مؤيديه أو معارضيه. كما غذت منصاته المفضلة مثل Truth Social التفاعل الجماهيري، ودفعت بملايين المستخدمين للبحث عن كل ما يتعلق بخطاباته وتحركاته.
لماذا هذا الاهتمام العالمي؟
- العودة إلى المشهد الانتخابي جعلت كثيرين يتساءلون: هل سيعود ترامب فعلاً؟ وما فرص فوزه؟
- محاكمات واتهامات متعددة لاحقته خلال العام، أبرزها قضايا تتعلق بمحاولة قلب نتائج انتخابات 2020، ما زاد من الفضول والجدل.
- خطابه الشعبوي وتأثيره على التيارات اليمينية حول العالم جعله رمزًا عالميًا يثير الاهتمام خارج حدود الولايات المتحدة.
هذه العوامل مجتمعة صنعت حالة بحث جماهيري قلما تحدث مع شخصيات سياسية أخرى، وجعلت من ترامب مرآةً لحالة الاستقطاب العالمي، حيث يُنظر إليه في بعض الأوساط كرمز للتحرر من “النخبة”، وفي أخرى كتهديد للمؤسسات الديمقراطية.
ومَن جاء بعده؟
🔹 المركز الثاني: Catherine, Princess of Wales
الاهتمام بكاثرين، أميرة ويلز، تصاعد بشكل لافت بعد غيابها عن الظهور العلني لأسابيع، ما أشعل شائعات حول حالتها الصحية وحتى حياتها الشخصية. ومع تداول صور مفبركة ومحاولات القصر الملكي لطمأنة الجمهور، تضاعف البحث حولها محليًا وعالميًا، خصوصًا في بريطانيا وكومنولث الدول.
🔹 المركز الثالث: Kamala Harris
نائبة الرئيس الأمريكي حجزت لنفسها موقعًا متقدمًا في البحث، مع تزايد التوقعات بشأن إمكانية خوضها الانتخابات مستقبلًا، أو حتى تولّيها الرئاسة في حال لم يتمكن بايدن من إكمال ولايته. كما سلطت عليها الأضواء أثناء تمثيلها للولايات المتحدة في مؤتمرات دولية وملفات محلية حساسة.
الموسيقيون: Diddy بين الأضواء والقضايا
تصدر اسم المغني والمنتج الأمريكي Diddy، المعروف أيضًا باسم Sean Combs، فئة الموسيقيين في عمليات البحث العالمية خلال عام 2024. ولكن اللافت أن تصدّره لم يكن نتيجة لعمل فني جديد أو ألبوم ناجح، بل بسبب سلسلة من الفضائح والاتهامات القانونية التي لاحقته وشغلت وسائل الإعلام والجمهور.
في بداية العام، طفت على السطح اتهامات خطيرة تتعلق بسوء السلوك، استغلال النفوذ، وقضايا قانونية متعددة رفعتها ضده شخصيات عامة ومقربون منه. وقد تداولت الصحف والمواقع هذه القضايا على نطاق واسع، ما دفع الملايين إلى البحث عن خلفياته، تاريخه الفني، ورده الرسمي على تلك المزاعم.
لماذا كل هذا الاهتمام؟
- Diddy شخصية معروفة ومؤثرة في صناعة الموسيقى الأميركية، وسبق أن لعب دورًا في إطلاق مسيرات فنية كبيرة.
- الطابع الحساس للقضايا، المرتبطة بالشهرة والنفوذ والعنف، أثار جدلًا عامًا وجذب أنظار الجمهور ووسائل الإعلام.
- الفضول الجماهيري حول مصيره الفني والقانوني دفع كثيرين إلى تتبع تفاصيل تطورات القصة لحظة بلحظة.
هكذا، تحوّل Diddy من نجم موسيقي إلى محور نقاش اجتماعي، حيث أعادت قضاياه الجدل حول قضايا السلطة، الحماية القانونية، وثقافة “إلغاء المشاهير”.
وماذا عن Usher وLinkin Park؟
🔹 المركز الثاني: Usher
عاد الفنان الأميركي الشهير إلى الأضواء بقوة بعد أدائه المميز في عرض السوبر بول، والذي وصفه النقاد بأنه من أفضل العروض الحية خلال السنوات الأخيرة. النجاح أعاد له شعبيته، ودفع كثيرين للبحث عن تاريخه الفني وأعماله القديمة.
🔹 المركز الثالث: Linkin Park
رغم مرور سنوات على رحيل المغني الرئيسي Chester Bennington، فإن اسم فرقة Linkin Park عاد بقوة، خاصة بعد إعادة إصدار بعض الأغاني النادرة، وإطلاق نسخ محسنة لألبومات سابقة. النostalgia لدى جمهور الألفينات لعبت دورًا كبيرًا في تصاعد الاهتمام بالفرقة.
الأفلام: Inside Out 2.. عندما تتحول المشاعر إلى ظاهرة سينمائية
تصدّر فيلم الرسوم المتحركة Inside Out 2 فئة أكثر الأفلام بحثًا على جوجل في عام 2024، محققًا ضجة كبيرة قبل وبعد صدوره، ومثبتًا أن القصص العاطفية العميقة قادرة على تحريك الجمهور عالميًا، مهما كان عمره أو خلفيته.
الجزء الأول من الفيلم، الصادر عام 2015، حقق نجاحًا ساحقًا بفضل فكرته الفريدة التي تجسّد المشاعر الإنسانية كشخصيات داخل عقل طفلة. وجاء الجزء الثاني ليستكمل هذه الرحلة العاطفية، لكن هذه المرة من منظور المراهقة، حيث تتغيّر المشاعر، وتظهر مشاعر جديدة معقدة مثل القلق والغيرة والارتباك.
لماذا هذا الفيلم تحديدًا؟
- الموضوع الإنساني العالمي: يتعامل الفيلم مع الصحة النفسية والتغيرات العاطفية التي يعيشها الإنسان في مراحل النمو، وهي قضايا باتت أكثر حضورًا في النقاشات المجتمعية حول العالم.
- الحنين إلى الجزء الأول: جمهور الفيلم الأصلي الذي كان أطفالًا عام 2015 كبر الآن، وأراد أن يعرف كيف تطورت القصة معه.
- الإخراج والإبداع البصري: حافظ الفيلم على المستوى الفني العالي الذي يميز أفلام Pixar، مع تطور ملحوظ في الرسوم والحوارات.
النجاح الذي حققه “Inside Out 2” لم يكن فقط تجاريًا، بل شكل أيضًا حدثًا ثقافيًا، وأعاد تسليط الضوء على أهمية الأفلام التي تجمع بين العمق والمتعة، وتقدم محتوى يناسب جميع أفراد العائلة دون أن يفقد رسالته.
المرتبتان الثانية والثالثة: كوميديا خارقة وغموض سوداوي
🔹 المركز الثاني: Deadpool & Wolverine
منذ الإعلان عنه، تحوّل هذا الفيلم إلى حلم لعشاق عالم Marvel. فهو يجمع بين اثنين من أكثر الشخصيات شعبية في الفيلم الواحد: رايان رينولدز بدور Deadpool، وهيو جاكمان بدور وولفرين. الدمج بين الكوميديا والقتال والغموض خلق حالة ترقّب جعلت الفيلم يتصدر قوائم البحث حتى قبل إطلاقه رسميًا.
🔹 المركز الثالث: Saltburn
فيلم درامي نفسي، حمل توقيع المخرجة Emerald Fennell، ونجح في إثارة الجدل والانقسام بين النقاد والمشاهدين على حد سواء. بسرده الجريء وأجوائه الغريبة، دفع الجمهور للتساؤل عمّا شاهده بالفعل، ما زاد من عمليات البحث بعد كل عرض.
الخاتمة:
عام 2024 لم يكن مجرد سلسلة من الأحداث، بل كان مرآة عاكسة لحالة الإنسان المعاصر وهمومه وفضوله. من متابعة سباق انتخابي محتدم في أقوى دولة في العالم، إلى البحث عن معنى أغنية علقت في الذهن دون معرفة اسمها، كشفت قوائم البحث عن أولوياتنا العاطفية والفكرية في زمن يتسارع فيه كل شيء.
اللافت في هذا العام أن أكثر ما بحث عنه الناس لم يكن دائمًا عن الفرح أو الفن فقط، بل عن الأسئلة الكبرى: من سيحكم؟ لماذا الطقس يتغير؟ من مات فعلًا ومن أُشيع أنه مات؟ وحتى ما الذي يغنيه الناس دون أن يعرفوا عنوانه؟ هذه الأسئلة تقول الكثير عن القلق الجماعي، والشغف المشترك، والعطش الدائم للفهم والاتصال.
وفي النهاية، جوجل لم يكن فقط محرك بحث، بل “محرك حياة”، يلجأ إليه البشر لا ليجدوا معلومات فحسب، بل ليجدوا أنفسهم وسط ضجيج العالم.