هدافي كاس العالم عبر التاريخ من افريقيا
على مدار تاريخ كأس العالم، كانت الكرة الإفريقية حاضرة بقوة، تسطر فصولًا من الإبداع والتحدي أمام أعتى المنتخبات العالمية. ورغم أن أول ظهور للقارة السمراء في المونديال جاء مبكرًا مع مشاركة مصر عام 1934، إلا أن البصمة الحقيقية للمنتخبات الإفريقية لم تبدأ في الظهور بقوة إلا مع ازدياد عدد مقاعد القارة في البطولة، خاصة منذ الثمانينيات. ومع زيادة عدد المنتخبات الإفريقية المشاركة، ازدادت معها اللحظات التاريخية، وبرزت أسماء حفرت أسمها في ذاكرة المونديال.
كانت الكاميرون هي أول من أعلن عن ثورة الكرة الإفريقية عندما فجّرت مفاجأة مدوية في افتتاح مونديال 1990 بالفوز على الأرجنتين، حاملة اللقب آنذاك. تكرر سيناريو التفوق الإفريقي أمام راقصي التانغو في نسخة 2002، عندما صدمت السنغال العالم بفوزها في المباراة الافتتاحية. ومع تقدم السنوات، شهد المونديال ازدهار الكرة الإفريقية، إذ قدمت المغرب أداءً استثنائيًا في 1986 بوصولها إلى دور الـ16، قبل أن تحقق إنجازًا تاريخيًا في 2022 كأول منتخب إفريقي يصل إلى نصف النهائي، في حين تركت منتخبات مثل نيجيريا، الجزائر، وغانا بصماتها في الأدوار المتقدمة.
وسط هذا التألق الجماعي، برز نجوم أفارقة حفروا أسماءهم في قائمة هدافي كأس العالم، حيث لمع الكاميروني روجيه ميلا في التسعينيات، وسجل الغاني أسامواه جيان اسمه كأفضل هداف إفريقي في تاريخ المونديال، بينما حمل صامويل إيتو راية الكاميرون في الألفية الجديدة. هؤلاء وغيرهم من المهاجمين الأفارقة لم يكتفوا بتمثيل منتخباتهم فحسب، بل فرضوا أنفسهم على الساحة العالمية، وأثبتوا أن إفريقيا قادرة على تقديم نجوم من الطراز الرفيع في أعظم محفل كروي عالمي.

يُعد أسامواه جيان الهداف التاريخي لإفريقيا في كأس العالم، بعدما سجل 6 أهداف خلال 11 مباراة خاضها مع منتخب غانا في ثلاث نسخ متتالية من البطولة (2006، 2010، 2014). سجّل اسمه في سجلات التاريخ كأكثر لاعب إفريقي إحرازًا للأهداف في المونديال، متفوقًا على كبار نجوم القارة. امتدت مسيرته الدولية مع “النجوم السوداء” لأكثر من عقد من الزمان، وتميّز خلالها بحضوره اللافت وحسمه في المباريات الكبرى.
جاء أول أهدافه في كأس العالم خلال ظهوره الأول بالبطولة، حين افتتح التسجيل لغانا أمام جمهورية التشيك يوم 17 يونيو 2006، في لقاء انتهى بفوز منتخب بلاده 2-0. وفي نسخة جنوب إفريقيا 2010، لمع نجمه بقوة، حيث سجل ثلاثة أهداف، وكان قريبًا من قيادة غانا إلى نصف النهائي، لولا الإقصاء المؤلم أمام أوروغواي بركلات الترجيح، بعد أن أهدر ركلة جزاء في اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي.

يُعد روجيه ميلا واحدًا من أبرز أساطير الكرة الإفريقية، بعدما كتب اسمه بأحرف من ذهب خلال مشاركته مع منتخب الكاميرون في كأس العالم. اعتزل ميلا اللعب الدولي قبل مونديال 1990، لكنه عاد عن قراره بدعوة خاصة من رئيس البلاد، ليقود “الأسود غير المروضة” إلى إنجاز تاريخي. في بطولة إيطاليا 1990، سجل ميلا أربعة أهداف حاسمة في خمسة مباريات، قاد بها الكاميرون إلى ربع النهائي، ليصبح أول منتخب إفريقي يحقق هذا الإنجاز. وتميزت أهدافه بطابعها الحاسم واحتفالاته الراقصة الشهيرة قرب الراية الركنية، مما رسّخ صورته كأحد أعظم نجوم البطولة.
جاء أول أهدافه بعد نزوله كبديل في مباراة الدور الثاني أمام رومانيا يوم 14 يونيو 1990، حيث سجل ثنائية رائعة ساهمت في فوز الكاميرون 2-1. وواصل تألقه في مباراة ثمن النهائي أمام كولومبيا، حين خطف هدفين آخرين في الوقت الإضافي، مؤكداً مكانته كأيقونة للمونديال. وعلى الرغم من تقدمه في السن، شارك ميلا مجددًا في كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة، محققًا رقمًا قياسيًا كأكبر لاعب يسجل هدفًا في تاريخ البطولة، عندما هز شباك روسيا عن عمر 42 عامًا.

يُعد أحمد موسى الهداف التاريخي لمنتخب نيجيريا في كأس العالم، بعدما تألق بشكل لافت خلال نسختي 2014 و2018. أطلق موسى العنان لموهبته خلال مونديال البرازيل، حين سجّل ثنائية رائعة في مرمى الأرجنتين يوم 25 يونيو 2014، في مباراة مثيرة انتهت بفوز التانغو 3-2. تميز موسى بسرعته الفائقة ومهارته في تجاوز المدافعين، مما جعله تهديدًا دائمًا لدفاعات الخصوم.
عاد موسى ليؤكد نجوميته في كأس العالم 2018 بروسيا، حين قاد نيجيريا للفوز على آيسلندا بهدفين رائعين، ليصبح أول لاعب نيجيري يسجل أربعة أهداف في كأس العالم. أداؤه اللافت جعله رمزًا للأمل والطموح في منتخب “النسور الخضراء”، خصوصًا مع تمرسه في المباريات الكبيرة وتألقه تحت الضغط.

برز بوبا ديوب كبطل قومي في السنغال، بعدما قاد منتخب بلاده لتحقيق واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ كأس العالم. ففي افتتاح مونديال 2002، سجّل ديوب هدف الفوز التاريخي على فرنسا بطلة العالم وأوروبا آنذاك، في مباراة لا تُنسى يوم 31 مايو. هذا الهدف لم يكن مجرد نقطة تحول للسنغال فحسب، بل فتح الباب أمام المنتخبات الإفريقية للحلم بتحقيق إنجازات كبيرة في البطولة العالمية.
واصل ديوب تألقه في نفس النسخة بتسجيل أهداف إضافية خلال دور المجموعات، وأصبح القلب النابض لوسط ميدان السنغال بقوته البدنية وصلابته الدفاعية. بفضل مساهماته، وصلت السنغال إلى ربع النهائي في أول ظهور مونديالي لها، لتضع بلاد “أسود التيرانغا” على خريطة كرة القدم العالمية بكل فخر واعتزاز.

صامويل إيتو يُعد من أساطير الكرة الإفريقية الذين حفروا أسماءهم بعمق في سجلات كأس العالم. شارك مع الكاميرون في أربع نسخ (1998، 2002، 2010، 2014)، وكان دائمًا مصدر خطر على دفاعات الخصوم. سجّل إيتو هدفه الأول في مونديال 1998 أمام السعودية، ليصبح أصغر لاعب إفريقي يسجل في المونديال في ذلك الوقت، وعُرف حينها بموهبته اللافتة وسرعته المذهلة.
مع مرور السنوات، أصبح إيتو قائدًا للكاميرون ونجمها الأول، وقاد المنتخب في عدة بطولات كبرى. وعلى الرغم من أن الكاميرون لم تتجاوز دور المجموعات خلال مشاركاته، إلا أن إيتو ظل رمزًا للكرة الإفريقية الحديثة بفضل أهدافه، احترافيته، ومسيرته الذهبية مع الأندية الكبرى مثل برشلونة وإنتر ميلان.

لعب هنري كامارا دور البطل الشعبي للسنغال في كأس العالم 2002، حين أظهر موهبة هجومية خارقة قادت بلاده إلى تحقيق إنجاز تاريخي بالوصول إلى ربع النهائي. تألق كامارا بشكل خاص في مباراة ثمن النهائي ضد السويد، عندما سجّل هدفين، بما في ذلك هدف ذهبي في الدقيقة 104 من الوقت الإضافي، منح به السنغال بطاقة العبور التاريخية إلى دور الثمانية.
تميّز كامارا بسرعته وانطلاقاته القوية، وكانت أهدافه مصدر إلهام لجيل كامل من اللاعبين في السنغال وإفريقيا عمومًا. أسلوبه في اللعب الذي يجمع بين المهارة والقتالية جعله من أبرز نجوم تلك البطولة، ورمزًا خالدًا في ذاكرة كرة القدم السنغالية.

ديدييه دروجبا هو أيقونة الكرة الإيفوارية بامتياز، إذ كان أول قائد يحمل منتخب كوت ديفوار إلى كأس العالم سنة 2006، في أول ظهور لهم في تاريخ البطولة. سجّل دروجبا أول هدف لكوت ديفوار في المونديال أمام الأرجنتين، مؤكداً مكانته كقائد وزعيم في الملعب، إضافة إلى تأثيره الهائل خارج المستطيل الأخضر بدوره في توحيد بلاده خلال أوقات الحرب الأهلية.
استمر دروجبا في تمثيل منتخب بلاده خلال نسختي 2010 و2014، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الجيل الذهبي الإيفواري. رغم أن كوت ديفوار لم تتجاوز دور المجموعات، ظل دروجبا رمزًا للفخر الوطني وأحد أعظم المهاجمين الذين أنجبتهم إفريقيا بفضل قوته البدنية، حضوره الطاغي، وموهبته التهديفية الرهيبة.

سطع نجم إيمانويل أمونيكي خلال كأس العالم 1994، حيث كان ضمن الجيل الذهبي لنيجيريا الذي أبهر العالم بأداء قوي وممتع. ساهم أمونيكي بشكل فعال في انتصارات نيجيريا بالدور الأول، وسجل هدفًا رائعًا ضد بلغاريا في المباراة التي انتهت بفوز كبير 3-0، مبرزًا سرعته الكبيرة ومهاراته الفنية العالية.
واصل أمونيكي تأثيره الإيجابي حين سجل هدف التأهل في مرمى اليونان، مما مكّن نيجيريا من بلوغ دور الـ16 للمرة الأولى في تاريخها. وبعد المونديال، أثمر تألقه عن انتقاله إلى نادي برشلونة الإسباني، ليواصل رفع راية اللاعبين النيجيريين عاليًا في أكبر ملاعب أوروبا.

يبقى رشيدي يكيني أحد أكثر الأسماء خلودًا في ذاكرة الكرة النيجيرية والإفريقية. في مونديال 1994، دخل يكيني التاريخ بتسجيله أول هدف لنيجيريا في تاريخ كأس العالم أمام بلغاريا، واحتفل بطريقة أيقونية حين أمسك بشباك المرمى وهو يصرخ من الفرحة، في صورة أصبحت رمزًا للعاطفة الإفريقية في كرة القدم.
تميز يكيني بقدراته التهديفية العالية وقوته البدنية المذهلة، وكان دائمًا ما يشكل خطورة دائمة على مرمى الخصوم. ورغم أن مشاركته في مونديال 1998 كانت أقل بريقًا، إلا أن إرثه كأول من دوّن اسم نيجيريا في سجل المونديال لا يزال خالدًا حتى اليوم.

محمد صلاح، نجم ليفربول وأحد أعظم لاعبي إفريقيا عبر التاريخ، قاد منتخب مصر للعودة إلى كأس العالم بعد غياب طويل دام 28 عامًا، وذلك بتسجيله هدف التأهل الحاسم أمام الكونغو في تصفيات 2018. ورغم إصابته الشهيرة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2018 والتي أثرت على جاهزيته للمونديال، تمكن صلاح من تسجيل هدفين في روسيا، ضد روسيا والسعودية.
تميز صلاح بسرعته الخارقة وقدرته الفائقة على حسم المباريات، وجسد الطموح المصري في الظهور القوي على الساحة العالمية. ورغم الإقصاء المبكر من البطولة، ظل صلاح مصدر إلهام لجماهير بلاده وللأجيال القادمة من اللاعبين المصريين، معززًا مكانته كأسطورة حية في كرة القدم العالمية.
على مدار تاريخ كأس العالم، شكّلت المشاركات الإفريقية عنصرًا حيويًا أضفى على البطولة نكهة خاصة من المتعة والإثارة. لم تكتفِ منتخبات القارة السمراء بالتشريف والمشاركة، بل فرضت نفسها كقوة حقيقية قادرة على إحداث المفاجآت ومقارعة كبار العالم. من الكاميرون في 1990، إلى السنغال في 2002، وغانا في 2010، كانت الفرق الإفريقية دومًا مصدرًا للتحدي والتجديد في أساليب اللعب، ما أجبر المنتخبات الكبرى على إعادة النظر في خططها وأسلوب تعاملها مع المباريات.
ومع الزيادة المرتقبة لعدد المنتخبات الإفريقية المشاركة في النسخ المقبلة من كأس العالم، ينتظر العالم إضافات أكبر وأروع، خاصة مع بروز جيل جديد من النجوم الذين يلعبون في أكبر الأندية الأوروبية. فبمهاراتهم العالية، وحماسهم المتقد، وشغفهم اللامحدود، سيكون لمنتخبات إفريقيا دور متعاظم في إعادة رسم خارطة المنافسة العالمية، وترسيخ القارة السمراء كأحد أعمدة كرة القدم الحديثة، القادرة ليس فقط على الإبهار، بل على اعتلاء منصات التتويج أيضًا.