مع تصاعد وتيرة التحول الرقمي وارتفاع الطلب على الأجهزة الذكية، شهدت الأسواق العربية خلال عام 2024 نشاطًا ملحوظًا في استيراد الهواتف المحمولة، خاصة من العملاقين سامسونج وأبل. إلا أن حجم الاستيراد لم يكن موزعًا بالتساوي بين الدول، بل تفاوت بشكل لافت عند مقارنته بعدد السكان، وهو ما يكشف الكثير عن أولويات المستهلكين، وقوة الشراء، وانتشار التكنولوجيا في كل دولة.
المملكة العربية السعودية تصدرت قائمة الدول العربية من حيث عدد الأجهزة المستوردة بإجمالي بلغ نحو 14.4 مليون جهاز، ما يعكس اتساع السوق وتنوع شرائح المستخدمين. ومع ذلك، عندما نُقارن الأرقام بعدد السكان، نجد أن الإمارات العربية المتحدة هي صاحبة النصيب الأعلى للفرد الواحد، حيث استوردت أكثر من 9.1 مليون جهاز، ما يعادل جهازًا واحدًا تقريبًا لكل مواطن، في مشهد يعكس قوة السوق واهتمام السكان بأحدث الإصدارات.
في المقابل، برزت دول مثل الجزائر والمغرب وتونس ضمن أقل الدول من حيث الاستيراد مقارنة بعدد السكان، ما يعكس تأثيرات اقتصادية وتنظيمية تؤثر على سوق الهواتف الذكية في تلك الدول.
وبجانب سامسونج وأبل، تبرز شركات مثل شاومي (Xiaomi)، وأوبو (Oppo)، وريلمي (Realme) كلاعبين صاعدين في المنطقة، مستفيدين من تقديم أجهزة بمواصفات قوية وأسعار منافسة، ما يجعل السوق العربية أكثر تنوعًا من أي وقت مضى.
في الفقرات التالية سوف نستعرض أهم 10 دول عربية استيرادا لأجهزة المحمول واستهلاك أكبر شركتين في العالم (أبل وسامسونج) عن عام 2024
أولا: المملكة العربية السعودية

في عام 2024، واصلت المملكة العربية السعودية ريادتها الإقليمية في سوق الهواتف المحمولة، حيث استوردت نحو 14.4 مليون وحدة، لتكون بذلك أكبر دولة عربية من حيث عدد الأجهزة المستوردة خلال العام. ويعكس هذا الرقم الضخم النمو المتسارع في الطلب داخل السوق السعودي، مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية، من أبرزها التوسع الكبير في البنية التحتية الرقمية، وزيادة عدد مستخدمي الإنترنت، وارتفاع معدل امتلاك الأفراد لأكثر من جهاز واحد، لا سيما في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام.
من إجمالي الشحنة المستوردة، استحوذت شركتا سامسونج وأبل على الحصة الأكبر من السوق، إذ شكّلت هواتف سامسونج حوالي 38% من الوحدات المستوردة (ما يعادل نحو 5.5 مليون وحدة)، مدفوعة بتنوع طرازاتها وانتشارها الواسع بين مختلف فئات المستخدمين. في المقابل، احتلت هواتف أبل المرتبة الثانية بحصة تقدر بنحو 31% (ما يعادل 4.4 مليون وحدة تقريبًا)، معززةً مكانتها لدى فئة المستخدمين الباحثين عن الأداء العالي والهوية الفاخرة.
هذا التوزيع يعكس حالة من التنوع والتنافسية في تفضيلات المستهلك السعودي، الذي بات أكثر وعيًا بالتقنيات والمواصفات، مما يدفع الشركات المصنعة إلى تقديم عروض وتسعيرات مرنة لتلبية احتياجات هذا السوق المتنامي باستمرار.
الإمارات العربية الممتحدة
في عام 2024، سجّلت الإمارات العربية المتحدة واحدة من أعلى نسب استيراد الهواتف المحمولة على مستوى العالم العربي مقارنة بعدد السكان، حيث بلغت الوحدات المستوردة حوالي 9.8 مليون جهاز، وهو رقم لافت بالنظر إلى أن عدد سكان الإمارات يقدّر بحوالي 9.5 مليون نسمة. هذا يعني أن عدد الأجهزة المستوردة يفوق عدد السكان، بمعدل يتجاوز جهازًا واحدًا لكل فرد، في دلالة واضحة على مستوى الاعتماد العالي على التكنولوجيا داخل المجتمع الإماراتي.
يُعزى هذا المعدل المرتفع إلى عدة عوامل، من بينها التبديل الدوري للأجهزة من قبل المستخدمين، والنمو الكبير في قطاع الأعمال والشركات الناشئة، إضافة إلى استهلاك مرتفع للهواتف الذكية في قطاعات متعددة مثل السياحة، والخدمات، والتجارة الإلكترونية. كما أن نسبة كبيرة من المقيمين في الدولة، لا سيما من الفئات المهنية والشركات، تعتمد على استخدام أكثر من جهاز في الوقت ذاته.
أما من حيث التوزيع بين الشركات، فقد استحوذت سامسونج على حصة تُقدّر بنحو 40% من الشحنات المستوردة (حوالي 3.9 مليون جهاز)، فيما جاءت أبل في المرتبة الثانية بحصة تُقدّر بـ 35% (نحو 3.4 مليون جهاز)، وهو ما يعكس تفضيلًا واضحًا لهواتف الفئة العليا ومتوسطة الأداء داخل السوق الإماراتي الذي يُعد من أكثر الأسواق تطلبًا وتنوعًا في المنطقة.
وبالنسبة للسوق المصري للموبايل
في عام 2024، احتلت مصر المرتبة الثالثة بين الدول العربية من حيث استيراد الهواتف المحمولة، بإجمالي وصل إلى نحو 8.2 مليون جهاز، ما يعكس انتعاشًا ملحوظًا في السوق المصري رغم التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا النمو في سياق التوسع الكبير في استخدام الإنترنت، وزيادة الاعتماد على الهواتف الذكية في التعليم، والخدمات البنكية، والتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى الانتشار المتزايد للتطبيقات الحكومية والخدمية.
بالمقارنة مع عدد السكان الذي يناهز 106 ملايين نسمة، يبدو واضحًا أن معدل استيراد الهواتف لا يزال أقل من المعدلات المسجّلة في دول الخليج، إلا أن السوق المصري يتميّز بقاعدة جماهيرية واسعة تتجه بشكل متزايد نحو ترقية أجهزتها، خاصة مع توسع شبكات الجيل الرابع وتزايد الحديث عن خدمات الجيل الخامس.
من بين الهواتف المستوردة، جاءت سامسونج في الصدارة بحصة تُقدّر بـ 44% (نحو 3.6 مليون جهاز)، نظرًا لتنوع موديلاتها وأسعارها المناسبة لمختلف الفئات. أما أبل فقد شكّلت ما يقارب 18% من السوق (حوالي 1.5 مليون جهاز)، وتتمركز بشكل رئيسي بين الشرائح ذات الدخل المرتفع في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية. هذه الأرقام تعكس صورة سوق سريع النمو، يتجه نحو المزيد من التنوع والتخصص.
وعن العــــراق
في عام 2024، شهد سوق الهواتف المحمولة في العراق نموًا متسارعًا، حيث بلغ عدد الأجهزة المستوردة نحو 6.1 مليون وحدة، وهو رقم يعكس تحسنًا تدريجيًا في البنية التحتية للاتصالات وتزايد الإقبال على التقنيات الحديثة، خصوصًا من فئة الشباب التي تمثل نسبة كبيرة من السكان العراقيين البالغ عددهم حوالي 44 مليون نسمة. ورغم التحديات الاقتصادية والأمنية في بعض المناطق، إلا أن السوق العراقي أثبت قدرته على استيعاب كميات كبيرة من الأجهزة الذكية سنويًا.
الإقبال القوي على الهواتف الذكية في العراق يرتبط بعدة عوامل، من أبرزها الانتشار الواسع لشبكات الإنترنت والجيل الرابع، ونمو قطاع التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى الاعتماد المتزايد على الهواتف الذكية في التعليم والخدمات الحكومية. كما تلعب العروض الترويجية التي تقدمها شركات الاتصالات دورًا مهمًا في تسهيل امتلاك الأجهزة الذكية من خلال برامج التقسيط.
أما من حيث الحصص السوقية، فقد استحوذت سامسونج على نسبة تقارب 47% من إجمالي الأجهزة المستوردة (نحو 2.8 مليون وحدة)، بفضل توفر طرازات متنوعة بأسعار تناسب مختلف شرائح المجتمع. أما أبل فحازت على ما يقارب 16% (بحدود مليون جهاز)، مع تركز واضح في الأوساط المهنية والشرائح ذات الدخل المرتفع في المدن الكبرى مثل بغداد وأربيل. هذا التنوع يعكس حيوية السوق العراقي وقدرته على التوسع في السنوات المقبلة.
الجـــزائــــر
في عام 2024، استوردت الجزائر نحو 5.5 مليون هاتف محمول، في ظل تزايد الاعتماد على الهواتف الذكية في الحياة اليومية، رغم بعض القيود التنظيمية التي فرضتها الحكومة سابقًا على استيراد الأجهزة الإلكترونية. ومع عدد سكان يتجاوز 45 مليون نسمة، يظل السوق الجزائري واسعًا، خصوصًا مع النمو الملحوظ في استخدام الإنترنت وتطبيقات التوصيل، والتعليم الرقمي، والخدمات البنكية عبر الهاتف.
تتجه نسبة كبيرة من المستخدمين الجزائريين إلى الهواتف متوسطة التكلفة، ما يجعل سامسونج تتصدر السوق بحصة تقارب 48% (حوالي 2.6 مليون وحدة)، بينما تأتي أبل خلفها بنسبة لا تتجاوز 12% (نحو 660 ألف جهاز)، نظرًا لارتفاع أسعارها مقارنة بالقدرة الشرائية المحلية. السوق الجزائري مرشح للنمو في حال تم تسهيل الاستيراد وتعزيز البنية التحتية الرقمية.
المــغــــــرب
بلغت واردات الهواتف المحمولة في المغرب خلال عام 2024 نحو 5.2 مليون وحدة، مدفوعة بارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت، وانتشار المدفوعات الرقمية، وتحول العديد من الخدمات نحو الهواتف الذكية. ويبلغ عدد سكان المغرب نحو 37 مليون نسمة، ما يجعل معدل انتشار الأجهزة مقبولًا، مع توجه متزايد نحو التحديث الدوري للهواتف.
سيطرت سامسونج على ما يقارب 46% من السوق (حوالي 2.4 مليون وحدة)، بينما شكّلت أجهزة أبل نحو 14% من الأجهزة المستوردة (ما يعادل 730 ألف وحدة). ويظهر ميل المغاربة إلى الهواتف ذات الأداء الجيد والسعر المتوسط، مما يفسر تزايد الإقبال على العلامات الصينية كذلك مثل Xiaomi وRealme، في ظل منافسة شرسة.
قطــــــر
رغم صغر عدد سكانها البالغ نحو 2.7 مليون نسمة، استوردت قطر حوالي 3.1 مليون هاتف في عام 2024، وهو ما يُترجم إلى أكثر من جهاز واحد لكل فرد، ويعكس الطبيعة التقنية المتقدمة للمجتمع القطري، خاصة مع الدعم الحكومي للبنية الرقمية والتحول الذكي في القطاعات الحكومية والخدمية.
جاءت أبل في المركز الأول بحصة سوقية تُقدّر بـ 45% (نحو 1.4 مليون جهاز)، بفضل الميل العام نحو الأجهزة الفاخرة، تلتها سامسونج بنسبة 39% (حوالي 1.2 مليون جهاز). ويتمتع المستخدم القطري بقدرة شرائية عالية، مما يجعل السوق جاذبًا للهواتف عالية الأداء من الشركتين، إضافة إلى أجهزة الجيل الخامس.
الكــــويت
استوردت الكويت نحو 2.9 مليون جهاز محمول في عام 2024، وهو رقم كبير بالنظر إلى عدد سكانها الذي لا يتجاوز 4.5 مليون نسمة، ما يدل على انتشار واسع للهواتف الذكية، لا سيما بين فئة الشباب والمستخدمين من المقيمين. وتُعرف الكويت بسرعة تبنيها للتقنيات الحديثة، وتوفر باقات مغرية للاتصالات والبيانات.
بلغت حصة أبل حوالي 43% (نحو 1.25 مليون وحدة)، تليها سامسونج بنسبة 40% (ما يقارب 1.16 مليون وحدة). السوق الكويتي يتسم بالولاء للعلامات الكبرى واهتمام المستخدمين بتجربة الأداء والتصميم، ما يفتح الباب أمام هواتف الفئة الممتازة والابتكارات التقنية مثل الشاشات القابلة للطي.
الأردن
شهدت الأردن استيراد ما يقارب 3.3 مليون هاتف محمول في 2024، مع عدد سكان يُقدّر بـ 11 مليون نسمة، وهو ما يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالأجهزة الذكية، خاصة في ظل الاستخدام الكثيف للتعليم الرقمي، والتطبيقات البنكية، والمنصات الحكومية التي باتت تعتمد على الهواتف بشكل أساسي.
استحوذت سامسونج على الحصة الأكبر بنسبة 49% (نحو 1.6 مليون جهاز)، في حين بلغت حصة أبل حوالي 20% (660 ألف جهاز تقريبًا)، حيث ترتفع شعبيتها في أوساط الشباب والمحترفين. كما تشهد السوق الأردنية منافسة قوية من العلامات الصينية التي توفر أجهزة بمواصفات جيدة وسعر مناسب، ما يجعلها بديلًا مقبولًا لعدد كبير من المستخدمين.
تــــونــــــس
بلغ عدد الهواتف المستوردة في تونس عام 2024 نحو 2.6 مليون وحدة، في وقت يقدَّر فيه عدد سكان البلاد بـ 12.6 مليون نسمة. ويعكس ذلك تطورًا واضحًا في السوق التونسية التي أصبحت أكثر توجهًا نحو الهواتف الذكية بعد توسيع تغطية الإنترنت في مختلف المناطق، لا سيما مع دعم الحكومة للتحول الرقمي.
جاءت سامسونج في الصدارة بحصة تقارب 50% (1.3 مليون وحدة)، بفضل وفرة أجهزتها للفئات المتوسطة، تليها أبل بحوالي 15% (390 ألف وحدة)، فيما تواصل العلامات الصينية اكتساب موطئ قدم تدريجيًا. يظل السوق التونسي حساسًا للأسعار، لكن وتيرة التحديث واهتمام المستخدمين بالتطبيقات المتنوعة يسهمان في استقرار الطلب.
خاتمة: تحولات مرتقبة في المشهد الرقمي العربي
في ضوء هذه الأرقام والاتجاهات، يتضح أن سوق الهواتف المحمولة في العالم العربي يشهد تحولاً ديناميكيًا يعكس تطور سلوك المستخدم وتزايد الاعتماد على الأجهزة الذكية في مختلف مناحي الحياة. الدول ذات الإنفاق الأعلى مقارنة بعدد السكان، مثل الإمارات وقطر، تُظهر توجّهًا واضحًا نحو اقتناء الأجهزة الرائدة والأحدث، فيما تستمر دول أخرى مثل مصر والعراق في تحقيق نمو متسارع مدفوع بالطلب المتزايد على الهواتف الذكية من مختلف الفئات السعرية.
وبينما تواصل سامسونج وأبل السيطرة على الحصة الأكبر، فإن المنافسة مع العلامات الصينية قد تزداد خلال السنوات القادمة، خاصة مع تحسن تقنيات التصنيع، وتقديم بدائل أقل تكلفة دون التضحية بالجودة. كذلك، ستلعب سياسات الجمارك والتوريد وتوجهات المستخدمين المحليين دورًا حاسمًا في رسم خريطة السوق المقبلة.
في النهاية، تبقى التكنولوجيا المحمولة مرآة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومؤشرًا على مدى استعداد الدول العربية لركوب موجة التحول الرقمي المتسارع.